إنذار بالعشق

~ { إنذار بالعشق } ~

_ مقدمة ! _

كل محاولاته للتخلص من تلك الذكريات باءت بالفشل ، لم يكن حلما هذه المرة ، فهو أصلا لم يقرب النوم منذ فروغه من هذه المـُهرة الروسية الممدة بجواره علي سريره الكبير ، كانت غارقة في سبات عميق جاهلة ما آلت إليه حالة رفيقها من رجل جامح يضج جنونا و شغفا بها ، إلي ذاك الذي إرتسمت علي وجهه ملامح ساخرة عادة ما تجلله كلما ظن أن بإمكانه تخطي كل ما حدث و المضي قدما في حياته الجديدة بهذا المنفي الرائع ...
ألقي نظرة علي ذلك الظهر الأنثوي العاري بجانبه ، إبتسم بسخرية و هو يتذكر اللقاء العاصف الذي خاضاه معا خلال الساعة الماضية ، صحيح أنها ألهته قليلا و أمتعته ، لكنها تبقي كبقية أقرانها لا تزيد و لا تقل ، إذ شهد هذا الفراش عشرات من نوعيتها و من مختلف البلاد و القارات .... الشقراء و السمراء ، النحيفة و المكتنزة ، و كلهن جميلات تربطهن صلة مشتركة وحيدة.  و هي المرور بحياته لمرة واحدة ثم الخروج للأبد ، فهو لم يطمح لإتخاذ عشيقة تدفئ لياليه الباردة و تنسيه جراحاته النازفة بلا توقف ، إنما كان يمني نفسه بإحتمالية نسيانها ... و نسيانه ..
جمدت ملامحه عندما عاد إلي نفس النقطة من جديد ، فجأة رفس الغطاء من فوقه بحدة ، و قام متجها نحو ملحق البار الصغير في الزاوية المواجهة ، صب لنفسه كأسا من الشراب المسكر ، إبتلعه كله جرعة واحدة و هو يعتصر جفناه بقوة حين باغتته وخزات الكحول الحادة و هي تهبط ماسحة علي حنجرته بالكامل ، صب كأس ثاني ، ثالث ، رابع ..... تنفس الصعداء و هو يرفع وجهه المحمر ، لتتعلق عيناه صدفة بالمرآة المقابلة ، إصطدم بوجهه ، وجهه البائس المكرر بالنسبة له ، أما بالنسبة للآخرين فهو الجحيم بحد ذاته ، وسامة مدمرة يمتلكها متمثلة في بشرة سمراء كالشكولاه الفاتحة ، و عينان زرقاوتين أسفل حاجبين مستقيمين بينهما أنف دقيق ينحدر إلي فم صارم و فك عريض تتوسطه حفرة عميقة يطلق عليها "ختم الحسن" ، شعره أجعد ناعم حالك السواد كالليل ، و قامته مديدة قوية ، واسع الصدر ، غليظ العضدين و الساعدين ، عنقه صقيل لامع به نتوء الرجولة بارز بقوة ( تفاحة آدم ) ، سحره لا ينضب أبدا ، النساء تتهافتن عليه و الرجال يحسدونه و يحقدون علي ما وهبه الله إياه من حسن و مكانة رفيعة
لعل حسنه ورثه عن والدته الآرمانية ( إيطالية ) الأصل ، لكن ماذا عن مكانته الخاصة التي إحتلها في قلب أبيه لينعكس ذلك سلبا في نفوس المقربين له و لاسيما عائلته ، فيقرر الأب نفيه إلي تلك المدينة الساحلية الخلابة ليدير بمفرده إحدي القري السياحية التابعة لنشاط العائلة الإستمثاري الضخم ، و إن كان غرض الأب الأساسي هو إقصاء ولده عن محيط العائلة تماما و جعله بمنأي عن أي خطر قد يهدده من قبلهم ، رغم أن الأب ليس بعاجز عن حمايته ، لكنه يدرك مبلغ حقد الجميع عليه و كراهيتهم الخالصة إزائه و التي إتضحت علانية أكثر من مرة ، فكان الحل الوحيد هو أن يبتعد الإبن و يتظاهر الأب بالقسوة عليه حتي صدق أفراد العائلة كلهم !
رفع يده ممرا أصابعه بين خصيلاته الفاحمة و هو يغمض عينيه مطلقا زفيرا مختنقا .... سار نحو الشرفة المفتوحة متلهفا لإستنشاق نسمات الليل النقية المغلفة برائحة البحر ، نظم أنفاسه مهدئا تلك الثورة التي نشبت بداخله و تآججت نيرانها حتي طالت قمة رأسه محررة بقية الذكريات لتنهال علي فؤاده المهترئ بلا رحمة ... إرتعش فكه ، ليس بسبب البرد الذي يكتنفه ، إنما بسببها هي ، حين مرت صورتها أمام عينيه ، تلك التي نصبها ملكة علي عرش قلبه ، إمرأته الفاتنة ، قصة الحب التي شهدها الجميع و قد دامت لسنوات حيث ستكلل بالزواج كمصير محتوم لعلاقتهما ، لكن تأتي يد الغدر ، أو الخيانة كما أسماها ، فتتزوج حبيبته بأخيه !!
أخيه الكبير الذي عهده منذ عرف معني الحياة عدوه اللدود ، حتي هذه اللحظة لم تفارقه صورته يوم زفافه عليها ، كانت نظرة ملؤها الغل و الشماتة صوبها إليه دون أدني إحساس بالذنب ، أو الأخوة التي لا يفقه عنها شئ ، يتذكر كيف كانت هي تتأبط ذراعه مزينة وجهها الجميل بإبتسامتها المشرقة التي لطالما دغدغت مشاعره و أثارته حيالها ، يتساءل كيف تغيرت بين ليلة و ضحاها ؟ كيف إستطاعت نسيانه ؟ كيف رمته بهذه القسوة و نبذته مفضلة عليه أخيه ؟
الصدمة أطاحت بصوابه يومها ، فلم تعطه أي مؤشر يوحي بأنها ستتخلي عنه بيوم من الأيام ، ظل ليلتها خارج المنزل يجوب المدينة طولا و عرضا هائما علي وجهه ، يبكيها و يبكي حبه الضائع و سنوات ذهبت سدي علي أمل أن تكون له ، أن تكون زوجته ، فأخر ما توقعه أن تؤول إلي أخيه و أن يبارك الكل زيجاتهما و علي رأسهم والده ، والده الذي أنزله منزلة كادت تشعل نيران الفتنة بين أفراد العائلة
لكنه لم يعد يبالي بأي شئ من تلك الترهات ، لم يعد يآبه بإهتمام والده أو عدمه ، مودة عائلته أو حب عمره ... لقد إنتهي ، لقد مات الشخص الذي كان عليه منذ أمد ليولد ذلك الذي يقف كالجبل الشامخ الآن ، القسوة عنوان شخصيته ، مطبوعة علي ملامح وجهه الحادة التي تقطر وسامة و خشونة في آن ..... الضعف لم يعد صفة موجودة بقاموسه ، حتي البكاء الذي كان يلجأ إليه أحيانا لينفس عن حزنه ، غضبه ، أو ربما فشله .. لا شئ بقي غير حزن خشن و متجمد كصخر قبيح الشكل ، و كأنه أخيرا نزل عند رغبة أبيه الغالية ، فلم يعد ذلك الشاب اليافع الرقيق المتسامح مع الحياة و الآخرين ، إنما إستحال لمسخ يطابقه فقط في الصفات ، أما الشكل ، فلا يضاهي أبدا ، حسن ما بعده حسن ، و نعمة تحولت إلي نقمة عليه مضطرا إلي مجابتها و قبول جميع عواقبها بمساوئها قبل محاسنها رغما عنه .....

إنتفض بخفة عندما إلتقطت أذنه فجأة رنين هاتفهه الخلوي و هو يصدح من الداخل ، إستدار عائدا إلي الغرفة ، مد يده متناولا الهاتف الحديث جدا من فوق الكومود المحاذي للسرير ، ألقي نظرة فاترة علي هوية المتصل ، ثم رد بصوته الجاف :

-ألـو !

المتصل بصوته العدواني المألوف : تعالي .. جلنار هانم تعبانة و عايزة تشوفك ...... !!!!!!

إستنوا أول #بارت أواسط الإسبوع ده إن شاء الله ❤

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 ahmed hassan
تصميم : احمد حسن